دراسة نص :
تاهت أنجم السماء
بداية جميلة تاهت من تاه وضّل الطريق وأنجم السماء هي الكواكب المنيرة التي ترشد الضّال والغريب فكيف حملت البداية هذا التناقض الفلسفي الذي يخفي وراءه سرا ما نكتشفه في باقي النص.
ارتص حولي مضجعي
تائه في متاهات الورى
خمول باهت الألوان
يغتال كلي
ارتص مضجعي وضاق بوسعه وحمل حتر هو التيهان في حياة الشاعر وهذا إنما يدل على الفراق والوحدة والخمول هو فتور الأمل والمشاعر وهذا الذي يفسره اللون باعتبار الحياة رفقة الحب والسعادة أكثر ألوان وتنوع فبعد الفراق بهتت وذبلت وأصبحت تغتال فيه حب الاستمرار دون نشاط وحيوية.
أسير ظنون خاطئة تدور
حول اساور وحبور
صمت يقتحم مشعري
بين قنوت و ضمور
اتوضأ بماء مقله
بعد التيمم بأتربة هجر
ولم يقف الأمر عند الفتور فقط بل صارت الظنون تحل محل اللهفة والشوق بحيث الأسر يعني فرض العقوبة ومثّل الشاعر الحالة بصور فنية راقية كمثل قوله صمت يقتحم والصمت حالة والاقتحام فعل قوي ويدل على التحول والانقلات ومما يؤكد البداية تاهت أنجم السماء فالإنسان الحيوي النشيط حين يكتسي الصمت يصبح مظهره مهيب وموغل في التضليل بحيث لا تنجلي معالم خباياه،وكذا قوله قنوت وضمور والتوضأ والتيمم كلها أفعال تختص بالعبادة ساعة الخلوة فوظفها في خلوته عن العالم واطفأ مصابيح السعادة بعد الهجر الذي طاله ليرسم صورة حزينة غاية في الرومانسية .
لإعلن في محرابك نجواي
حولي أحرفي شموع
نفثات عطرك أعواد بخور
قبلة.. وتضرع
القلب لاهيا و سجور
لا تكمأ أحرفي
فيها شاهد يثور
بين أزقة النوى
تمزقت اشرعتي
باحثة بين الخلجات
عن موانئ للبحور
ويواصل بفنية سرد مآله في حضن الهجر ليجعل من ذكرها كالنجوى في الوصال وكذلك تضرعه وجزعه بالوحدة ويوصلنا الشاعر بألفاظه حتى رسم معالم المكان الذي يسوده الهدوء والظلام تنيره بعض من الشموع الذابلة ، وقلب مسلم بالأمر ولسان ذاكر حاله السابقة،وشواهد من الزمن الجميل الذي جمعهما في السعادة بحيث ضرب لنا المثل كسفينة سارت على ظهر البحر يغازلها الماء وبريق السماء فجأة باغتتها امواج عاتية أحدثت فيها الرضوض والكسور فأصبحت خاوية من الحياة والفرح وهذا من براعة ونباهة الشاعر في التوظيف واستعمال الصور البليغة التي تدعم نصه.
يا ذي مرتعا
خفايا و ستور
أكف راقصت أنامل
فيض من العين ادمعه
ولادة خضماء معسرة
يبقى القلب ذو بوتقة
يبحر إلى لا ميناء
باشرعة مترفة ممزقة
من جفن قريح
أرى فوق الموج ضريح
لا بوادر تسترة
أخمر بقوارير شوقي
خمرا لخمرات مساء مؤسرة
لازلت كالرحى
حول قطبها تدور
أنحر لوصالك اضاحي
ألغي بعدك كل الحضور
ثم ينتهي إلى ذكرها وذكر الحبيب يزيل بعض الهموم بين العيون التي كانت تبوح بالمكنون والأكف التي حملت الشعور،ويتجه إلى عسر الهجر ليجعله كالولادة العسيرة ،كيف لا والحبيب يولد في الروح ففصامه يستدعي الوجع من الروح والجسد والمشاعر والرؤى ،ويصور قساوة الاستمرار بالوجع والبعد كشراع ممزق لا يكاد يحرك بقايا السفينة،وكذا خمرة الشوق الصورة الفنية الراقية فالشوق يفصل الروح عن الجسد ويجعلها تهذي وتتلهف كالمخمور ساعة انفصال عقله عن جسده لا يقفه في الواقع شيئا حتى يسترد عافيته، ليصور الحالة النفسية له كالفعل الذي تقوم به الرحى حين تدور حول قطبها بغير هداية حتى تتم طحن ما أمرت به ،فهو مشتاق نبذ الهجر بل وصار يلغي حضور كل شيء بغيابها.
نص وجداني عميق سلس ومهذب بمعاني راقية حزينة وقوية قوة العلاقة العاطفية وثري بالكلمات الجميلة والصور الفنية التي تفسر براعة الشاعر ودأبه في نظم وجدانياته،مع تمنياتي الخالصة له بالتميز ومزيدا من الأعمال الجميلة.
بقلم : هاجر -الجزائر في :2 مارس 2018-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق