الأربعاء، 1 أغسطس 2018

حرف تحت المجهر (لناقد عبدالرحمن عن نص الشاعرة ليلى الطيب )بعنوان خلع عباءة الشمس

كما دأبنا عليه في وصال حلم القصائد ...نفتح قوسا لنعانق فيه حروف شاعراتنا وشعرائنا بقراءة عاشقة غير مدعية ، ولا مكتفية ...
بدون ادعاء عناصر الاكتمال ...
ولا اكتفاء في التوغل إلى حضن التفاصيل ... 

موعدنا اليوم مع :
قراءة في قصيدة ” خلع عباءة الشمس “ للشاعرة ليلى الطيب

1/في التقديم 
تتميز الشاعرة ليلى الطيب بجملها الشعرية المرصوصة على بساط لغة سليمة في بنائها التركيبي والدلالي والتداولي . تتمدد في شريان القارئ ، لحظة بوح ناثر ، فتتقمص إحساسه .. ويتبنى نبضها .. وتستبطن تجربته .. فينتشي من حرفها في ارتباط وثيق ..وإصرار رشيق على متابعة معجمها ونصوصها وإيقاعها  في رحلاتها الإبداعية على خريطة الفن والجمال .
”خلع عباءة الشمس “ يندرج ضمن ما طرحناه أعلاه ..نص شعري بشجون وجدانية ، وشحنة عاطفية تتحف العين بنعيم الدلالات المتدفقة من انثيال خيال رحب ، وتلهف الأذن بذلك الإيقاع الصوتي المتهدج على قارعة معجم يتمدد على يافطة الغياب والانتظار ..
هو نص متعدد في صوره ، متوحد في تيمته الأساسية ،، في قلب المحاكاة يجدب القارئ إليه في توليفة التجلي والحلول ، متسم بحبكة ودراية في فن البوح  تساعده قدرة الشاعرة في توظيف المعجم اللغوي وتوليد المعاني في الجوانب البلاغية والاصطلاحية، وتلك الانزياحات الراقصة على رهافة الإحساس ، في صور شعرية جميلة ، منسابة بعطر أنثوي خصب صادق غارق في مد بحور الشعر والخيال...
2/ في العنوان  :
تحف العنوان جملة فعلية تامة على مستوى التركيبي ...فعل وفاعل ومفعول به وإضافة  وفي الدلالة اللغوية
خلع = أزال ≠ لبس وارتدى 
عباءة ≈ غطاء ولحاف 
الشمس ≈ نجم سماوي عبارة عن كوكب ناري 
إذن 
أزال غطاء الشمس 
وهنا الدلالة قد يكتنفها بعض الغموض في الفهم والإدراك .!
هل ترتدي الشمس عباءة ..؟ و إذا كان الأمر كذلك من يجرؤ على خلع عباءتها .. ؟ 
وهنا يبرز المستوى التداولي في حقل الإبداع الشعري في صورة انزياح المعنى نحو رمزية تبيح للنص إمكانيات التماهي وضرورات التمايز مع باقي الكتابات الأخرى 
فغطاء الشمس صورة للظلام والغياب 
فإزاحة غطاء الشمس تعني عودة الإشراق والنور والظهور
وبينهما حالة ترقب وانتظار وتلهف 
فالعنوان الذي بين أيدينا هل يمنحنا مفتاحا لمقاربة النص كوحدة تكثيفية واختزالية في تحليل دلالي  لبنيته وفهمه .؟
3/في تقريب النص : 
يتكون من خمسة أجزاء مختلفة على مستوى عدد أشطرها .وسنحاول مقاربة كل جزء على حدة ..دون ادعاء باطل بإلمام بموضوعاته أو إحاطة بظروف النص النفسية والاجتماعية ولا أسباب نزوله ولا حيثياته .فمقاربتنا له تندرج ضمن رؤية عاشقة للجمال ..ومحاولتنا تظل ناقصة على ملإ بياضاته  غير مدركة لرمزيته المسافرة في  بنود الدلالة ..فهو يختفي بين جنوح المعنى ويتجلى على مسالك النجوى ..

★ الجزء الأول يتشكل من إحدى عشر سطرا يتبوأ فيه مفهوم الغياب بنية متجلية وحاضرة بقوة ..وتبدو فيها الشاعرة أنها غير راضية على جو الغياب الذي يسيطر على مفاصل نبضها ..حتى صارت كأنها  اعتادت عليه ( الغياب ) لذلك فهي تبدأ به بوحها وتنتهي به ..لتوضح أن بارقة الأمل قد أفلت وأن الشوق غاب وتاه الوصال وتحول إلى لحظات وجع في ليال الحزن الطويلة ...

★★ الجزء الثاني : ويتكون من 12 شطرا .. وفي إعلان صريح موجه لكاف المخاطب أن استمرار الوصال  مرتبط بتواصل الحرف بالسلام والاهتمام  ..وأن الغياب يولد حالة ترقب وانتظار  يساهمان في تجرع آلام وحزن ودموع ( يصاب الانتظار بالمشيب ≈ دلالة الحزن ) ( أخفاقي كسيح ) ..
وصبر يتجشم على صبابة في كبرياء أنثى متلفعة في ثوب الصمت ..وتقر في هذا الجزء أن مواراة نبضها  لن تكون الأنثى الأولى والأخيرة في تعثرها وفشلها الأبدي 
★★★ الجزء الثالث ( 8 أسطر )
في هذا الجزء لا ندري هل الشاعرة تحاول أن تنفس على روحها  شدة ألم الغياب أم تروم إيهام المتلقي باعتراف أنها لم تكن الوحيدة كأنثى في دائرة المخاطب الغائب ..وأن رباط القران قادر على لجم غضبها (جمع صخب خصري ) ..وجعلها تنافق شخصها ... لدرجة أن تداري لهيب خيالها بصمت تصدع من كثرة الاحتمال 
★★★★ الجزء الرابع يحتوي 10 أشطر ..
في هذا الجزء نستشعر خلاصا من شدة الشوق كبيان يعانق الريح في امتطاء هروب إرادي (ليكشف ساقي صداي ) هل هي صورة هروب وتخلص ؟؟!! 
الصدى على الأقل بالنسبة لنا هو حالة تبئيرية للشاعرة في محاكاة مشاعر تلهب الكيان .والصدى هنا ما اكتشفناه في معاناتها من هذا الغياب ... ودلالة كشف الساق هي حركة في الدلالة على الجري  قد يكون فرارا أو هروبا .. تعلنه هنا موتا مجازيا لكل شيء ( تقذف بي قصاصات عشقه)..النبض ..الفرح  ( لأنزع وشاح الزفاف ) التطهر واستعادة الكبرياء  (وأمسح وجه السماء ) واعتبار ذلك كذبة من ظاهرة جميلة يحملها أبريل ( أبريل ترك ضوءه كذبة )

★★★★★ الجزء الخامس والأخير 8 أشطر

     يرصد كبرياء أنثى في معاقل الصبابة بصور شعرية تتخللها جمالية البوح في التأكيد الواثق على كف الدمع ..( لنرد مناسك المآقي )  كأن شيئا لم يكن (لا ملح سكب ) .  ودلالة الملح قوية في الدمع بطعم الملوحة فيه  وفي الخصوبة والعطاء ...
رغم ما يسببه هذا القرار من توجعات وجراح موغلة في التجربة الإنسانية ( جروحي مرتجفة تلطم الخد ) ندم وحسرة .. وفي الأخير تختم الشاعرة (على حواف الحلم ) .. (أغلقت فاه التمني) ..
خلاصة جديدة انتهجتها مبدعتنا الشاعرة المتميزة ليلى الطيب في التخلص من براثن الغياب  قد يكون هذا الغياب حلما وحبا فرحا وطموحا وقد يكون ولادة عسيرة تستحث البوح في لحظات التمني والأماني 
4 /في الختام : 
بعودتنا إلى العنوان في علاقته بسياق النص نجد أنه يجيب على تساؤلاتنا وانزياحات النص في بنيته التداولية والنسقية والإستيتيقية ...ولا زالت الشمس عند شاعرتنا لم تخلع عنها عباءتها ..والغياب لازال يشي بأغوار الفتنة وجرعة الألم ..
قصيدة الشاعرة ليلى الطيب تفيض مشاعر إنسانية بدفقات نبضية وجودية وكينونة متعالية تعانق الخيال في رقة متناهية ..وحبكة متناسقة  ..
فما الشعر في نهاية القول .سوى شكل فني يقدح مدائن البوح برؤية تستلهم الكياسة والقيم والدراية والتماهي لواقع موضوعي معيش بإحساس صادق في حقول التجربة والمحاكاة . ..
                           عبدالرحمن بكري

* خلع عباءة الشمس *

------------------------
------------------------

غب كما شئت 
ما عاد الرضا يرضيني
لفجر تتغرغر شمسه
بشوق نضج
في جحر النسيان 
تاه الوصالُ
سافر حرفنا
بئس ذاك الهوى 
ماذا أقولُ.. ! 
في ليال السقم ترياقٌ حزن 
ياخريفاً يفصحُ القول في الغياب

...

مد لي حرفك و سلم 
عدْت غريبا مثلما كنت أيام عرفتك 
عُدَ عاما اطرح منه شهرا ثم ستة 
هتون الدمع تناثر ليتنفس الغياب 
ويصاب الانتظار بالمشيب 
اخفاقي كسيح
متكئ على صبابة كبرياء 
تتعمد بصحو هدهدة صمت ...
يا هاجري..
أوَ تدري من أنا؟..
لست أول من تعثرت خطاها 
سَلْ خَفقَ النبضِ المسافرِ
...

لم اكن يوما أنثاه الوحيدة !!..
جمع صخب خصري
بربطة عنق 
شهور عجاف كفها منديل..
ووجه خلع مرآته 
عقد القران 
على حزن موائد ممدودة 
وخيال نسي اشعال ثقوب صمته

...

ليكشف ساقي صداي
موتي بلغ شفتيه 
كالآهه
ليَحمل اليباب ضريحي 
تقذف بي قصاصات عشقه 
لانزع وشاح الزفاف 
وامسح وجه السماء 
بكفوفه 
ابريل ترك ضوءه بكذبة
ليشهق على مفارق الشوق

...

لنرد مناسك المآقي 
لا ملح سكب 
من زفير اصابع الخريف..
لا تبذر لفافة اللقاء
جروحي مرتجفةً تلطم الخدّ 
تتلصص بين طقطقات قداحته 
على حواف الحلم 
أغلقت فاه التمني ..
ِ

ليلى الطيب
الجزائر

ليست هناك تعليقات:

الأكثر مشاهده